الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)
.الفصل الخامس والتسعون: الدنيا دار كدر بذلك جرى القدر فإن صفا عيش لحظة ندر، ثم عاد التخليط فيذر الورود فيها كالصدر ودم قتيلها هدر. يا لاحقًا بآبائه وأمهاته لا بد أن يصير الطلا إلى مهاته، يا من جل همته شغل خياطة وطهاته يغلبه الهوى وهو غالب دهاته، إن كان لك عذر في تفريطك فهاته. إخواني: مر الزمان وعظ الألباب ويكفي في الإنذار موت الأصحاب، كم ترى في التراب من أتراب؟ أغمدت تلك السيوف في شر قراب تناولتهم يد البلى من كف استلاب، ويحك ضياء الدنيا ضباب، وشراب الهوى سراب، أترضى أن يقال قد خاب؟ أما لهذا عندك جواب؟ كلما دخلنا من باب خرجت من باب. للشريف الرضي: لله درّ أقوامٍ علموا قرب الرحيل فهيئوا آلة السفر وهونوا بالدنيا فقنعوا منها مما حضر واستوثقوا بقفل التقوى من أذى النطق والنظر؟ مالك خبر بحالهم ولا عندك منهم خبر، قاموا في الجد وقعدت وسهروا في الدجى ورقدت، طالما نصبوا في خدمة المالك، وناقشوا أنفسهم مناقشة مماحك، وآثروا بالزاد فزادوا على البرامك، واختبروا بالبلى كالتبر عن السابك، هذه طريقهم فأين السالك؟ أترضى بالتأخر عنهم؟ هذا برائك كأنك بهم وقد دخلت على الملأ الملائك، كل يا من لم يأكل هذا بذلك لما أريدوا أفيدوا لما شكروا المنعم زيدوا، ولو فتروا عن التعبد قيدوا، نام العلاء بن زياد ليلة عن ورده فجذب في نومه بناصيته وقيل له قم إلى صلاتك فما زالت الأخبار قائمة في حياته {نحنُ جعلناها تَذكِرَةً}. قال أبو سليمان: غلبتني عيني، فإذا أنا بالحوراء قد ركضتي برجلها وهي تقول: أترقد عيناك؟ والملك يقظان؟ قال: ونمت ليلة أخرى، وإذا بها توقظني وتقول: أتنام؟ وأنا أربي لك في الخدور منذ خمسمائة عام. للنابغة الذبياني: قلوب القوم في الدجى قلقة وأفئدتهم من الخوف محترقة والنفوس من هجر الحبيب فرقة، وجفونهم من البكاء غرقة، وعروق المحبة في سويدائهم علقة، وشفاههم بكأس المناجاة مصطحبة مغتبقة، والآمال إليه كل وقت منطلقة، وما عادت قط إلاّ وهي بالرجاء عبقة. واحسرة من مضوا وخلفوه، لقد استبدل بالعسل الخل فوه، آه على عيش ولّى ولا عودة، وعلى حادٍ سرى ولا وقفة، تالله لو ضارت العين عينًا ما وفت. للمهيار: تالله ما تعشق الأماكن لذاتها، بل لسابق لذاتها، لك يا منازل في القلوب منازل، للمعاهد عهد عند المعاهدة كلما تذكره الصبّ صبّ الدموع. للمتنبي: أعرف الناس بالطريق من قد سلك، إذا ذكرت منازل مكة حن الحاج. للمهيار: .الفصل السادس والتسعون: للمصنف: يا عجبًا لك تتسمى باسم تاجر، وتخاصم على الدرهم وتشاجر، وتصابر لربح القيراط الهواجر، وتغضب لأجل الجبة وتهاجر، وترضى بأفعالك باسم فاجر، أما لك من عقلك ناه ولا زاجر؟ يا من نومه كثير وانتباهه نادر، إن دعيتَ إلى التوبة سوَّفتَها، وإن قمتَ إلى الصلاة سففتها، وإن لاح وجهُ الدنيا ترشفتها، أما هي دار بلغة لضيفها، تضيفتها أو ليس قد شبت وما عرفتها، كم بادية في أرباح غير بادية تعسفتها؟ لقد استشعرت محبتها أي والله والتحفتها، تالله لو علمت جناياتها لعفتها، أنسيت تلك الذنوب التي أسلفتها؟ آه، لبضائع عمر بذرت فيها وأتلفتها، كم تعد بالإنابة؟ وكل الوعود أخلفتها، فما تلين قناتك لغامز، ولا ترى ما تشتهي فتجاوز، ويحك، بين يديك أهوال وهزاهز، كم تقوم ولا تستوي؟ من يغير الغرائز؟ إبك لما بك، واندب في شيبك على شبابك، وتأهب لسيف المنون فقد علق الشبابك. عجبًا للطرف كيف اغتمض؟ ولمكلف ما أدى المفترض، يا من كلما بنى على أن يلوذ بنا نقض، يا من إذا أدى حقًا، فعلى مضض، يا من إذا لاح له صيد الفاني جد وركض، يا من إذا قدر على جيفة الهوى جثم وربض، يا مشغولًا عن الجوهر بفاني العرض إيثار ما يفنى على ما يبقى أشد المرض: هذا حادي الممات قد أسرع، هذه سيوف الملمات تلمع، هذه قصور الأقران بلقع، إن وصلت الدنيا فعلى نية أن تقطع، وإن بذلت فعلى عزم أن تمنع، أفيها حيلة أم في وصلها مطمع؟ يا معرقًا في البلى قل لي لمن تجمع؟ إذا خلوت وتخليت فكيف تصنع؟ أترى أنت عندنا؟ أو ما تسمع؟ يا محبوسًا في سجن هواه متى تتخلص؟ لو عرفتنا ألفتنا لنا أحباب لهم ألباب هم اللباب شغلهم على الدوام المحراب حاضرون معكم بالأبدان وبالقلوب غياب: ما نال الصالحون ما نالوا إلا بترك ما نطلبه وما نالوا، كانت هممهم في طلب الفضائل تغلي في القلوب غليان ما في القدور، تخايل القوم لذة الثواب فسهلت عليهم مرارات الصبر وتصوروا خلود الأبدان فهان عليهم بذل النفوس، جدوا في الجد فما سكنوا حتى سكنوا الجنة، وراحة المؤمن في الدنيا صفر من راحة، فلو رأيتهم في الجنان يسرحون منطلقين في أغراضهم يمرحون لا يدرون بأي مطلوب يفرحون، أبالنجاة من النيران؟ أم بالخلود في الجنان؟ أم بالخيرات الحسان؟ أم برضى المليك الديان؟ لقد نالوا بالمراد، ما لم يكن في الحسبان، من تلمح جولان مضمر الصبر في لذيذ العافية، وفرحة المفطر بعد إنصاب الصوم وتناول العذب بعد عذاب الظما، وسلامة الغريق بعد الإغراق في أذى الأذى، وخلاص التجر من مصر ماصر المكس وتلاقي الأحباب على باب الطول بعد طول الفراق رأى من قوة قرة العين ما لا يدخل تحت قياس بعد أن حدق ياس، وقد وصفنا ما حصل للقوم وجملة المبذول من الثمن {بما صَبَرْتُمْ}.
|